يوم الأحد الماضي فجرّت كوريا الشمالية قنبلتها النووية الأولى، وبالتالي تكون قد دخلت عنوةً النادي النووي الدولي، بكل تبعاته الإستراتيجية، مهما كان حجم القنبلة التي فجرتها بيونغ يانغ وقوتها التدميرية.. ومهما تكن قدرة كوريا الشمالية، في امتلاك نظام توصيل صاروخي، من عدمه، يجعل لكوريا الشمالية ذراعاً نووياً طولى، سواء على مستوى المجال الإقليمي أو خارجه. وتبقى الحقيقة التي كانت متوقعة، ولم تكن مفاجأة تماماً: أن كوريا الشمالية تمتلك تكنولوجيا نووية.. وأنها طورت إرادة سياسية، لامتلاك الرادع النووي.. وأصبحت العضو الثامن في النادي النووي الدولي، سواء قبل عضويتها الأعضاء السبعة الآخرون، أم لم يقبلوا... سواء قبل النظام الدولي، بذلك، أم لم يقبل. سابقة الهند وباكستان، قبل كوريا الشمالية، أثبتت أن الحصول على عضوية النادي النووي، يتوقف على إرادة الأعضاء الجدد، لا على إرادة أو قبول الأعضاء القدامى، والمجتمع الدولي. على العموم، كانت هذه هي قاعدة العضوية المعمول بها، منذ أن كسر الاتحاد السوفيتي احتكار الولايات المتحدة للرادع الاستراتيجي النووي، عام 1950.
خطورة هذا التطور الاستراتيجي تكمن في عامل عدم الاستقرار الذي يمثله ويخل بتوازن النظام الدولي (غير التقليدي)، استراتيجياً. يبدو أن آليات النظام المتبعة منذ التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية 1968، سواء كانت في مجلس الأمن.. أو في وكالة الطاقة الذرية، لم تفلح في ما أوكل إليها من مهام، في ما يخص الالتزام بمواد تلك المعاهدة. هذا، يتطلب مراجعة حيثيات جائزة نوبل للسلام، التي أعطيت للوكالة ورئيسها، العام الماضي. بعد ما يقرب من أربعة عقود، من التوقيع على المعاهدة من قبل غالبية دول العالم، لا زال خطر انتشار الأسلحة النووية، هو الخطر الأكبر، الذي يهدد سلام العالم وأمنه.
امتلاك الرادع النووي، من قِبل أي دولة، هو مسؤولية قومية ودولية، قبل أن يكون ميزة استراتيجية، تُوَفِر عامل ردع غير تقليدي (عملي)، يمكن استخدامه أو التهديد باستخدامه. الرادع النووي هو نظام ردع دفاعي استراتيجي غير تقليدي في الأساس، لا يمكن ضمان تطويره لأغراض هجومية، أبداً. في ظل نظام توازن الرعب النووي، أثناء عهد الحرب الباردة، فشل كلٍ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اعتناق عقيدة الضربة النووية (الأولى)، بعيداً عن احتمالات الدمار الشامل المتبادل.
لقد نجح نظام توازن الرعب النووي بين المعسكرين الشرقي والغربي، حتى بوجود قوىً (نووية) هامشية في ذلك النظام، مثل بريطانيا وفرنسا والصين. بفضل هذه القناعة الاستراتيجية لدى المعسكرين، باستحالة نشوب حرب نووية بينهما، بسبب توفر إمكانات الضربة النووية (الثانية) لدى كلا الطرفين، ليظل هاجس تطوير أنظمة دفاعية، غير تقليدية، هو المسيطر على سلوكهما الاستراتيجي، خارج احتمالات التفكير في استخدام الرادع النووي، لأغراض هجومية. حتى عندما انهار أحد قطبي نظام الحرب الباردة (الاتحاد السوفيتي)، بقي الهاجس الأمني، عند روسيا الاتحادية والصين، هو الذي وقف دون إعلان الولايات المتحدة الهيمنة الكونية النووية... ليعود، من جديد التوازن الاستراتيجي للنظام الدولي الحالي، بالرغم من القدرات الاستراتيجية الكاسحة للولايات المتحدة، بوصفها القطب الدولي الأقوى (الأول)، وإن كانت ليست القطب الدولي (الأوحد) من الناحية الاستراتيجية (النووية).
توازن الرعب النووي، سواء في عهد الحرب الباردة، وحتى مقدم الهند وباكستان، إلى عضوية النادي النووي، كان بصفة رئيسية يتفاعل على المستوى الكوني، وليس على المستوى الإقليمي. صحيح أن هناك أمثلة لظهور قوىً نووية، على أساس إقليمي، مثل بريطانيا وفرنسا والصين، في ما بعد، ولكن، ذلك لا يخرج عن نطاق البعد الاستراتيجي الكوني لنظام توازن الرعب النووي. كانت أوروبا، هي المسرح المرتقب لأي مواجهة عسكرية بين المعسكرين، من المحتمل أن تتصاعد إلى مستوى المواجهة النووية... تلك هي مكانة أوروبا الاستراتيجية، طوال عهود الأنظمة الدولية السابقة، حتى الحرب الكونية الثانية. من هنا ظهرت الحاجة لكسر مظلة الأمن النووي الذي توفرها الولايات المتحدة لحلفائها الاستراتيجيين الغربيين، مثل بريطانيا، وإلى حد ما فرنسا.
إذن: لم تكن هناك قناعة استراتيجية في باريس أو لندن، من أن واشنطن، ستذهب لنجدتهما نووياً، لو تعرضتا لهجوم نووي سوفيتي... في النهاية لن تضحي الولايات المتحدة بواشنطن أو نيويورك، مثلاً، من أجل الدفاع عن باريس ولندن..!؟ نفس الشيء تطور على جبهة المعسكر الشرقي، بين الصين والاتحاد السوفيتي، ولكن ليس من أجل توفير مظلة نووية مزدوجة بين موسكو وبكين، ضد واشنطن... ولكن، بسبب تطور احتمالات المنافسة بين موسكو وبكين، داخل المعسكر الشرقي. في كل الأحوال، إذن: كان هناك شعورٌ طاغٍ بمسؤولية امتلاك الرادع النووي، عند كلا المعسكرين.. وبمحدودية إمكانات استخدامه... بل واستحالتها... ومن ثَمّ صَب كل الاهتمامات على الإمكانات الدفاعية لنظام توازن الرعب النووي، للتأكد وضمان استحالة مواجهة نووية، بين المعسكرين، ولو عن طريق الخطأ.
هذا التوازن البالغ الدقة والحساسية، معاً، في نظام القطبية النووية الثنائية، لم يعد مضموناً، في ظل ما نشاهده من انتشار للسلاح النووي، بين قوى إقليمية، بعد انهيار نظام الحرب الباردة. توازن الرعب النووي، في منطقة جنوب غرب آسيا، بين الهند وباكستان، لا يمكن تقييم إمكانات الاستقرار فيه، في ظل تنامي شعور عدائي بين الهند وباكستان، تغذيه خلفيات أيدلوجية حادة وغير متسامحة، ولا تضمن استقرار توازنه إمكانات اقتصادية، لدى الجانبين، لدفع تكلفة الاحتفاظ بالرادع النووي... هذا بالإضافة لعدم الاستقرار السياسي السائد، على الأقل في أحد قطبي معادلة التوازن الإقليمي، في منطقة جنوب غرب آسيا. كل تلك عوامل من شأنها أن تُسارع من سباق نووي محموم بين الهند وباكستان، يمكن أن يطور وهماً (كاذباً)، في أي لحظة، لدى أيٍ منهما بإمكان استخدام رادعه النووي، ضد الآخر.
امتلاك نظام شمولي منعزل، مثل نظام بيونغ يانغ، لا يرى عنده ما بقي ليخسره إذا دخل في مواجهة مع العالم بسبب تطويره لرادعه النووي، من شأنه بالقطع أن يضيف أبعاداً استراتيجية خطيرة، على مستوى إقليم جنوب شرق آسيا، بل و على العالم. الخوف هنا من أن يدفع تفجير كوريا الشمالية لقنبلتها النووية الأولى، تنامي روح «العسكرة» في دول تقليدية، لم تخبُ بعد تطلعاتها الإمبراطورية، مثل اليابان. في لا وقت يمكن أن تطور اليابان رادعها النووي، لتشهد منطقة شرق آسيا، سباق تسلح نووي استراتيجي محموماً ومكلفاً، يأتي على اقتصاديات النمور الآسيوية النامية. رغم حلف بكين الاستراتيجي مع بيونغ يانغ، لم تجد الصين بداً من إدانة القنبلة النووية الكورية الشمالية، لأن ذلك إيذاناً بكسر الاحتكار النووي للصين في المنطقة، لتعود عقارب الساعة من جديد، إلى وقت تطوير الصين لرادعها النووي نكاية في الاتحاد السوفيتي... بالإضافة إلى احتمالات عودة الصراع التقليدي بين الصين واليابان، بأنياب ومخالب نووية، هذه المرة.
لنتصور مدى الخطر الاستراتيجي الذي يقترب منا، لو تمكنت إيران من تطوير رادعها الاستراتيجي، في ظل هذه الفوضى النووية، على المسرح الدولي. الغموض النووي الذي كان يشوب برنامج إسرائيل النووي، لن يبقى طويلاً غموضاً. العالم كله على كف «عفريت نووي»... هل هي النهاية للجنس البشري...!؟ لا سمح الله.
خطورة هذا التطور الاستراتيجي تكمن في عامل عدم الاستقرار الذي يمثله ويخل بتوازن النظام الدولي (غير التقليدي)، استراتيجياً. يبدو أن آليات النظام المتبعة منذ التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية 1968، سواء كانت في مجلس الأمن.. أو في وكالة الطاقة الذرية، لم تفلح في ما أوكل إليها من مهام، في ما يخص الالتزام بمواد تلك المعاهدة. هذا، يتطلب مراجعة حيثيات جائزة نوبل للسلام، التي أعطيت للوكالة ورئيسها، العام الماضي. بعد ما يقرب من أربعة عقود، من التوقيع على المعاهدة من قبل غالبية دول العالم، لا زال خطر انتشار الأسلحة النووية، هو الخطر الأكبر، الذي يهدد سلام العالم وأمنه.
امتلاك الرادع النووي، من قِبل أي دولة، هو مسؤولية قومية ودولية، قبل أن يكون ميزة استراتيجية، تُوَفِر عامل ردع غير تقليدي (عملي)، يمكن استخدامه أو التهديد باستخدامه. الرادع النووي هو نظام ردع دفاعي استراتيجي غير تقليدي في الأساس، لا يمكن ضمان تطويره لأغراض هجومية، أبداً. في ظل نظام توازن الرعب النووي، أثناء عهد الحرب الباردة، فشل كلٍ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي اعتناق عقيدة الضربة النووية (الأولى)، بعيداً عن احتمالات الدمار الشامل المتبادل.
لقد نجح نظام توازن الرعب النووي بين المعسكرين الشرقي والغربي، حتى بوجود قوىً (نووية) هامشية في ذلك النظام، مثل بريطانيا وفرنسا والصين. بفضل هذه القناعة الاستراتيجية لدى المعسكرين، باستحالة نشوب حرب نووية بينهما، بسبب توفر إمكانات الضربة النووية (الثانية) لدى كلا الطرفين، ليظل هاجس تطوير أنظمة دفاعية، غير تقليدية، هو المسيطر على سلوكهما الاستراتيجي، خارج احتمالات التفكير في استخدام الرادع النووي، لأغراض هجومية. حتى عندما انهار أحد قطبي نظام الحرب الباردة (الاتحاد السوفيتي)، بقي الهاجس الأمني، عند روسيا الاتحادية والصين، هو الذي وقف دون إعلان الولايات المتحدة الهيمنة الكونية النووية... ليعود، من جديد التوازن الاستراتيجي للنظام الدولي الحالي، بالرغم من القدرات الاستراتيجية الكاسحة للولايات المتحدة، بوصفها القطب الدولي الأقوى (الأول)، وإن كانت ليست القطب الدولي (الأوحد) من الناحية الاستراتيجية (النووية).
توازن الرعب النووي، سواء في عهد الحرب الباردة، وحتى مقدم الهند وباكستان، إلى عضوية النادي النووي، كان بصفة رئيسية يتفاعل على المستوى الكوني، وليس على المستوى الإقليمي. صحيح أن هناك أمثلة لظهور قوىً نووية، على أساس إقليمي، مثل بريطانيا وفرنسا والصين، في ما بعد، ولكن، ذلك لا يخرج عن نطاق البعد الاستراتيجي الكوني لنظام توازن الرعب النووي. كانت أوروبا، هي المسرح المرتقب لأي مواجهة عسكرية بين المعسكرين، من المحتمل أن تتصاعد إلى مستوى المواجهة النووية... تلك هي مكانة أوروبا الاستراتيجية، طوال عهود الأنظمة الدولية السابقة، حتى الحرب الكونية الثانية. من هنا ظهرت الحاجة لكسر مظلة الأمن النووي الذي توفرها الولايات المتحدة لحلفائها الاستراتيجيين الغربيين، مثل بريطانيا، وإلى حد ما فرنسا.
إذن: لم تكن هناك قناعة استراتيجية في باريس أو لندن، من أن واشنطن، ستذهب لنجدتهما نووياً، لو تعرضتا لهجوم نووي سوفيتي... في النهاية لن تضحي الولايات المتحدة بواشنطن أو نيويورك، مثلاً، من أجل الدفاع عن باريس ولندن..!؟ نفس الشيء تطور على جبهة المعسكر الشرقي، بين الصين والاتحاد السوفيتي، ولكن ليس من أجل توفير مظلة نووية مزدوجة بين موسكو وبكين، ضد واشنطن... ولكن، بسبب تطور احتمالات المنافسة بين موسكو وبكين، داخل المعسكر الشرقي. في كل الأحوال، إذن: كان هناك شعورٌ طاغٍ بمسؤولية امتلاك الرادع النووي، عند كلا المعسكرين.. وبمحدودية إمكانات استخدامه... بل واستحالتها... ومن ثَمّ صَب كل الاهتمامات على الإمكانات الدفاعية لنظام توازن الرعب النووي، للتأكد وضمان استحالة مواجهة نووية، بين المعسكرين، ولو عن طريق الخطأ.
هذا التوازن البالغ الدقة والحساسية، معاً، في نظام القطبية النووية الثنائية، لم يعد مضموناً، في ظل ما نشاهده من انتشار للسلاح النووي، بين قوى إقليمية، بعد انهيار نظام الحرب الباردة. توازن الرعب النووي، في منطقة جنوب غرب آسيا، بين الهند وباكستان، لا يمكن تقييم إمكانات الاستقرار فيه، في ظل تنامي شعور عدائي بين الهند وباكستان، تغذيه خلفيات أيدلوجية حادة وغير متسامحة، ولا تضمن استقرار توازنه إمكانات اقتصادية، لدى الجانبين، لدفع تكلفة الاحتفاظ بالرادع النووي... هذا بالإضافة لعدم الاستقرار السياسي السائد، على الأقل في أحد قطبي معادلة التوازن الإقليمي، في منطقة جنوب غرب آسيا. كل تلك عوامل من شأنها أن تُسارع من سباق نووي محموم بين الهند وباكستان، يمكن أن يطور وهماً (كاذباً)، في أي لحظة، لدى أيٍ منهما بإمكان استخدام رادعه النووي، ضد الآخر.
امتلاك نظام شمولي منعزل، مثل نظام بيونغ يانغ، لا يرى عنده ما بقي ليخسره إذا دخل في مواجهة مع العالم بسبب تطويره لرادعه النووي، من شأنه بالقطع أن يضيف أبعاداً استراتيجية خطيرة، على مستوى إقليم جنوب شرق آسيا، بل و على العالم. الخوف هنا من أن يدفع تفجير كوريا الشمالية لقنبلتها النووية الأولى، تنامي روح «العسكرة» في دول تقليدية، لم تخبُ بعد تطلعاتها الإمبراطورية، مثل اليابان. في لا وقت يمكن أن تطور اليابان رادعها النووي، لتشهد منطقة شرق آسيا، سباق تسلح نووي استراتيجي محموماً ومكلفاً، يأتي على اقتصاديات النمور الآسيوية النامية. رغم حلف بكين الاستراتيجي مع بيونغ يانغ، لم تجد الصين بداً من إدانة القنبلة النووية الكورية الشمالية، لأن ذلك إيذاناً بكسر الاحتكار النووي للصين في المنطقة، لتعود عقارب الساعة من جديد، إلى وقت تطوير الصين لرادعها النووي نكاية في الاتحاد السوفيتي... بالإضافة إلى احتمالات عودة الصراع التقليدي بين الصين واليابان، بأنياب ومخالب نووية، هذه المرة.
لنتصور مدى الخطر الاستراتيجي الذي يقترب منا، لو تمكنت إيران من تطوير رادعها الاستراتيجي، في ظل هذه الفوضى النووية، على المسرح الدولي. الغموض النووي الذي كان يشوب برنامج إسرائيل النووي، لن يبقى طويلاً غموضاً. العالم كله على كف «عفريت نووي»... هل هي النهاية للجنس البشري...!؟ لا سمح الله.